أيُّها المرشَّحون رفقاً بنا!
هل تريدون أصواتنا أيُّها المرشَّحون؟ إذن! اخفضوا أصواتكم ولو قليلاً أمامنا. اللبنانيون اليوم في حال من الاندهاش الكلي والاختناق، وجوه، وجوه، وعود، وعود، صور، ملصقات، لوائح، محادل، شتائم، اتهامات فاضحة، منافسة حاقدة، عنق وحنق، تكسير سيارات، قنابل صوتية.
احتقان خانق، ثم الحر شديداً، وانقطاع التيار الكهربائي بلا موعد، بلا سبب ولا تبرير.
هذا لبنان بلد الديمقراطية والحرية، وضع صحي معافى. ولكن، لا تمارسوا حريتكم بالشتائم والاتهامات أمام أعيننا، ستمثِّلوننا غداً في المجلس النيابي، كيف ستمثِّلوننا وتنوبون عنَّا؟؟ هل مرشَّحونا هم صورة عنَّا؟ هل نحن شعب متسلط، حانق، غاضب حاد الطباع؟ أم حاد الغباوة؟
نحن لسنا أغبياء، كما لسنا أغنياء. نحن على ما أعتقد شعب واعٍ ومنفتح، وواضح الرؤية تماماً حتى بلا كهرباء، فعلى مهلكم علينا!
على سيرة الكهرباء، ليت مؤسسة كهرباء لبنان تعتمد ضريبة على صور المرشحين المعلَّقة على أعمدتها وتعفي المواطنين من دفع فواتيرهم لمدة شهرين على حساب المرشحين، لكنَّا بذلك أضأنا كل البحر الأبيض المتوسط، فقط للتغيير. و”التغيير” كلمة تتردد كثيراً في الانتخابات.
أما وعود المرشحين فلنحذف أكثرها، ناهيك بالشتائم التي لا تمثِّلنا، والفضائح والإشاعات التي لا تغيِّر من حسن اختيارنا ولا من صدق خياراتنا.
غداً سنختار، واختيارنا أنتم بحاجة إليه، على مهلكم علينا ولو قليلاً.
المواطن اللبناني هو إنسان حر ويحمل حريته في داخله وقلبه، من زمان… أعرف فئات عدة من الناخبين في لبنان:
أولاً: المواطن الذي لا يهمه أمر الانتخاب، فكل هذه الوجوه، وكل هذه الصور المعلقة هي بلا وجوه ولا أسماء، لا يراها، مقتنعاً بأنَّ المرحلة المقبلة باقية كما هي… حتى لو تغيَّرت الوجوه وكثرت الوعود بالتغيير.
ثانياً: فئة المواطن الذي أعلن عدم مشاركته في الانتخابات. هذه فئة مثقفة، واعية ولكنها سلبية. لقد أعطت فرصة لغيرها كي تختار لها نواباً سيمثِّلونها في المجلس لغاية سنة 2004.
ثالثاً: فئة من الناخبين تمتنع عن التصويت لأنَّ مرشحها في دائرة أخرى ثانية أو ثالثة، وهذا بسبب الخطأ في تقسيم بيروت دوائر عدة.
رابعاً: فئة من الناخبين تعودت مرشحاً معيَّناً ولا تغيِّر عاداتها، وهذا يعطيها نوعاً من الراحة النفسية “المسطحة”.
خامساً: فئة من الناس واضحة جداً ” مدفوعة الأتعاب” للعمل في مراكز المرشحين، وأعتقد أنها وجدت فرصاً للعمل.
سادساً: أما الفئة الكبرى فهي التي اختارت ثمناً لأصوات العائلة كلها، وبهذا تكون قد أكَّدت دفع أقساط السنة الدراسية المقبلة للأبناء، وهذا هو الأهم لديها.
سألت أحدهم كيف يبيعون أصواتكم وأنتم أحرار باختيار من تريدونه نائباً في المجلس؟ فكان جوابه نحن لا نقبض أموالاً أجنبية. المرشحون كلهم متشابهون إذا كان عندهم المال فليصرفوه على الفقراء الأفضل أن يصرفوا أموالهم في البلد لا في الخارج.
سابعاً: ورقم سبعة، كما تعلمون، مبارك ومقدس، والله يبارك بشبابنا في الخارج المنتظرين… رداً من الدولة على الأنترنت، لتفتح الدولة شاشات الأنترنت. شبابنا في البلاد العربية، وفي الخارج، يسألون السفارات: ماذا تعملين؟ إذا كانت السفارات اللبنانية مشغولة بالمهم، فنحن الأهم!
يقولون ” نستطيع أن ننتخب على الأنترنت، وفي السفارات، نحن الشباب نشكل المصدر المالي المهم لعائلاتنا في لبنان، نحن أكثرية الحاضر والمستقبل. ونحن أكبر عدداً من اللبنانيين المقيمين على أرض لبنان، كما أن الانتخابات بدوننا، غير محقَّة، لا تلغوا وجودنا”. هذا كلام على الأنترنت لشبابنا في الخارج.
وأخيراً فئة الناخبين التي أرجو أن تكون الأكبر، وهي الصادقة والتي تشعر بالمسؤولية عن حسن الاختيار وتعتبر النائب صورة عنها، وصورة لبنان الحقيقة. هذه الفئة ستختار بمواطنية “صالحة” ومخلصة وستختار بضمير ومسؤولية نوابها الجدد وتتمنى عليهم إعلاء شأن لبنان.
هذه الفئة الصالحة المسالمة يرعبها العنف والصدامات والقنابل الصوتية، وأكثرها لا يتحمَّل الضجيج، حتى أنها غير مستعدة لسماع “فتيش” أو ألعاب نارية.
هذه الفئة لا تتحمَّل الصراخ والشتائم وتكسير السيارات، ولا أبواق الزمامير المتواصلة.
على مهلكم علينا، شبعنا عنفاً وخوفاً وعدم أمان، لا ترعبونا، لا تجعلونا نخاف من حوادث أمنية في الطرقات أو في مراكز الاقتراع.
دعونا ننزل بأمان من بيوتنا يوم الانتخاب.
على مهلكم علينا لا تجعلونا جبناء في أداء الواجب الوطني.
—
نُشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 23/8/2000