جريدة النهار

دبابير الموتوسيكلات

شوارع العاصمة هذه الأيام تغزوها جحافل من دبابير الدراجات النارية على أنواع:
• منها للسباق، وهو مخيف، وأصداء عنعناته مزعجة ترعب الأطفال وتوقظهم من نومهم مذعورين، وترعب المرضى والمتألمين في المستشفيات والمنازل، عدا رعب المارة من ألعبانيات سائقيها البهلوانية يمارسونها بين المارة والسيارات.
• ومنها يستعين بها موظفو المؤسسات والدوائر الخاصة والمتاجر لتجاوز مشكلة ازدحام السير، وإنهاء أعمالهم بإيصال بريدهم أو الوصول في السرعة القصوى.
• ومنها ما يستخدمه رب الأسرة لإيصال أولاده إلى المدرسة. وأحياناً نرى طفلين على دراجة نارية مع والدهما، أو رجلاً مع زوجته في “شمّة هوا”.
على أنَّ الدراجات النارية، بمختلف أنواعها، تكاثرت عندنا حتى أصبحت تشكِّل خطراً يومياً على الحياة العامة، خصوصاً في كونها لا تتقيَّد بالإشارات الضوئية على الإطلاق.
وهنا نلفت إلى الآتي:

أولاً: عندنا قانون غير صارم (كأنه مبدئي أو مشروع قانون)، يرغم سائق الدراجة النارية على وضع خوذة في رأسه لحمايته. لكن الدرَّاج يمر حاسر الرأس أمام شرطي السير الذي ينظر إليه ولا يراه، مما يعني أنَّ هذا القانون غير مطبَّق علماً بأنه يعني أيضاً مرافقي سائق الدراجة من أطفال وأصدقاء، فحادث الدراجة لا يعني أنه لن يصيب إلاَّ سائقها.

ثانياً: الإشارة الضوئية الحمراء لا تعني إطلاقاً سائقي الدراجة النارية، ولا يلتزمون الوقوف عندها، يحصل هذا في وضح النهار وعلى مرأى من الشرطي،.

ثالثاً: و… عاشراً: جميعنا معرَّضون يومياً لصدم دراجة نارية تفاجئنا من يميننا أو يسارنا أو من أمامنا ونحن نقلع بعد إشارة حمراء لا يقف عندها الدرَّاجون كأنها موضوعة فقط للسيارات.

هذا، بكل بساطة، وبكل صراحة، وبكل صرخة: عدم مسؤولية وعدم مراعاة وعدم احتراز للخطر المميت. هذا إهمال فاضح وقاتل ومميت. هذا خطر أكيد يلازم كل سائق في سيارته على المستديرات والمفارق والإشارات، ولولا لطف الأقدار وحكمة سائق السيارة، لكنا نعاين كل يوم مآسٍ قاتلة.

إنَّ سائق الدراجة النارية لا يحميه هيكل سيارة ولا سقف ولا باب، بل بالعكس: جسده هو الذي يحمي الدراجة، والاصطدام به يكون مميتاً لصاحب الدراجة أو مسبباً لديه ارتجاجاً في الدماغ وتكسيرا للأضلع والأرجل، وفي “ألطف” الحالات، يسبِّب له رضوضاً موجعة.

وبما أنَّ الحق دائماً على صاحب السيارة لا الدراجة، ولو كانت هذه آتية عكس السير، فالمصيبة تحل علينا، نحن سائقي سياراتنا الذين قد نتسبَّب بقتل نفس بشرية دون قصد، نتيجة فوضى وإهمال وعدم مسؤولية، عدا ما نتحمَّله من مسؤولية فضائية وحق عام والتزامات مادية كبيرة تكلِّفنا نصف ثروتنا (إن وجدت)، ونصف عمرنا في السجن (إن بقي لنا نصف العمر بعد).

• ملاحظة أولى: بعد كتابتي مقالات عدة في “النهار” عن السرعة والسير والحوادث على الأوتوسترادات، ساندتني حملة مجدية من الأستاذ سام منسى وأخرى فعَّالة من وسائل الإعلام المرئي والمسموع. وكم سررت (بعد دعوتي والأستاذ منسى المسؤولين إلى فرز عناصر شرطة يضبطون جموح الشباب وسرعتهم وجنونهم) لصدور قرار حازم من الداخلية بإقرار كل المستلزمات الضرورية واستيراد الرادارات كما في الدول الحضارية لحماية أرواح المواطنين على الطرقات.
• ملاحظة ثانية: مع أنني لست شرطية سير، ولا مسؤولة مكلَّفة رسمياً، فإنني أتلقَّى يومياً شكاوى من المواطنين، ودعوات منهم أن، اكتبي لنا في “النهار” بعد عن هذه الآفات التي تحاصرنا وتقلقنا وتهددنا.

ولست أدري كيف يحصل هؤلاء المواطنون الأحباء على رقم هاتفي.


نشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 12 تموز 1999

زر الذهاب إلى الأعلى