شـعب نرجسي
نحن شعب فريد ومتفرِّد في كل شيء، وغريب من نوعه في كثير من الأمور.
1ـ نحن شعب يتكلم العربية ويتقنها فصحى ولفظاً ويبدع فيها نثراً وشعراً كما نتكلم جميع لغات العالم، ونادراً ما ترى لبنانياً لا يتقن أقل من لغتين، وهذه ميزة خاصة جداً وحسنة.
حتى أن بعضنا يختلط عليه الأمر، هل هو عربي أم لم يزل فينيقياً، مع أننا لا نتكلم اللغة الفينيقية وللأسف. كما أن المصريين لم يعودوا فراعنة ولا يتكلمون اللغة المصرية القديمة، مع أنها لم تزل شاغلة للبحاثة العالميين وأساتذة التاريخ.
2 ـ نحن شعب نشيط، عامل، منفتح، يستقبل كل الحضارات ويلتهم كل ما هو جديد في العالم الغربي وحتى الشرق الأقصى، سواء كان هذا الجديد تقنياً وفي مجال الكومبيوتر، أو علمياً في مجال الطب والقانون والهندسة، أو فنياً، كالموسيقى، أو موضة أزياء أو صياغة مجوهرات، وهذه ميزة خاصة جداً وحسنة.
3 ـ نحن شعب يحب العلم والمعرفة، الثقافة والأدب، ويسعى ويجدّ ليصل إلى أعلى المراكز في العالم، فنحن شعب منتشر كما هو معروف في أرجاء الكرة الأرضية بحثاً عن العلم أو تحقيق الذات. ودائماً نجد لبنانياً ناجحاً يتبوَّأ أرفع المراتب في شتى الأعمال في العالم. وهذه ميزة خاصة جداً وحسنة.
4 ـ نحن شعب يتمسك رجاله بوحدة عائلتهم وتضامنها وترابطها وإعلاء شأنها المعيشي والتعليمي والاجتماعي. وهذه ميزة خاصة جداً.
5 ـ نحن شعب نساؤه من أفضل أمهات الدنيا، يرعين أطفالهن خير رعاية وتبقى الأم اللبنانية تسعى وراء أولادها بعد أن يصبحوا هم آباء وأمهات، وهذه ميزة عظيمة وأساس متين في بناء الوطن.
6 ـ نحن شعب يحب الحياة، ويحب الآخرين، يعرف كيف يرتبط بصداقات صادقة مع البشر من كل الجنسيات.
7 ـ نحن شعب وُلد وترعرع في بلد جميل، تعوَّدت عيناه على طبيعة رائعة في صباحه ومسائه، ففي كل منعطف من جباله لوحة ربَّانية، وعلى كل شط من بحره حكايا وتاريخ، ومجد لحاملي الأبجدية.
8 ـ نحن شعب رائع، حقاً، ومن أقصى روائعنا أننا وقعنا في فخ النرجسية، أحببنا أنفسنا واكتفينا،. ولم نزل ساقطين في غيبوبة نرجسية، فأعيننا مغمضة ودماغنا شُلَّ وفقدنا توازننا. حتى انتماؤنا تهنا فيه، فلا نحن أوروبيون ولا نحن فينيقيون ولا عرب ولا حتى لبنانيون حقيقيون.
نحن شعب لا يحب الاعتدال، فلا نتعاطف مع المسؤول المعتدل، ولا الزعيم المعتدل، ولا التصريحات المعتدلة، ولا يثيرنا إلاَّ الكلام المتطرف والحاكم المتطرف.
إنَّ نرجسيتنا العمياء قد صوَّرت لنا أن المسؤول المعتدل هو إنسان ضعيف وصوَّرت لنا أن المسؤول في الدولة اللبنانية الذي لا يسرق هو إنسان مغفَّل.
نرجسيتنا صوَّت لنا أن رئيس لبنان هو ممثِّل للطائفة المارونية، كلا ثم كلا، إنَّ رئيس الدولة هو رئيس كل اللبنانيين.
نرجسيتنا صوَّرت لنا أن رئيس الحكومة هو ممثِّل للطائفة السنيَّة. كلا ثم كلا، بل هو رئيس حكومة الدولة اللبنانية وكل اللبنانيين.
هل نرجسيتنا تحكم علينا أن نرى النائب أو الوزير ممثِّلاً لطائفته؟ أم أنه يمثِّل وزارته وما قدَّمت هذه الوزارة في عهده إلى الشعب على الصعد: الاجتماعي والحياتي والمستقبلي؟
هل نرجسيتنا تخنق كل لبناني يعمل على مستوى الوطن كله، وتفتح ذراعيها لكل متاجر بطوائفنا؟ ليتنا نفتح صدورنا وقلوبنا لمعتدل يعمل للبنان وشعبه.
ماذا عن الزعيم وليد جنبلاط الذي يحاول بشتى الطرق إقامة حوار ومصالحة وطنية بكل جرأة ووضوح؟ هل نتغاضى عن كونه لبنانياً ابن هذا الوطن ونحسب عليه طائفته فقط والشوف ودارته في المختارة؟ لماذا نقلِّل من حجم أعماله، ونقوقعه داخل طائفته فقط؟ فهو لنا جميعاً كما كان والده رحمه الله كمال جنبلاط قد جمع كل الطوائف في بوتقة واحدة داخل قلب بيروت.
نحن شعب يصفِّق للمسؤول المتطرف الذي يثير غرائزنا الطائفية، ويرفض المسؤول المعتدل المدرك لحقيقة هذا البلد المجروح حتى الموت من التطرف الطائفي.
وحكَّام هذا البلد يدركون هذا كله، فمثلاً رئيس البلاد الذي يحمل على كتفيه كل الطوائف كوحدة موحدة خسر إلى حدٍّ ما شعبيته على صعيد طائفته أو البلدة التي ينتمي إليها.
أعتقد أن بعبدات تريد الرئيس لها وحدها، وكذلك صيدا تريد رئيس الحكومة لها وحدها.
إذن، إن لم يكن الحاكم المسؤول يلعب في مرمى الطائفية والدين فهو خاسر لشعبه وطائفته وبلدته.
هكذا في بلدنا، إنَّ الطريق الأسلم والأسهل والأسرع لكسب الشعبية والحكم والهيمنة هي لعبة الطائفية، التي أدَّت بنا إلى حرب أهلية طويلة ومريرة.
أخيراً، إنَّ كل مسؤول في الدولة أياً تكن طائفته، مجبر وبكل موضوعية على أن يمثِّل كل فرد من الشعب اللبناني بكل طوائفه وهذا، واجب حق، بما انه في آخر كل شهر يقبض راتبه من كل فرد من الشعب اللبناني لا من أفراد طائفته.
—
نُشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 30/8/2002