فاروق.. الحـب!
تحية الخلود إلى أعز مخلوق ملأ روحي بالنور.
يا عطراً يسكب البخور في عمق وجداني.
إليك.. أنت.. يا من أدخل إلى قلبي بلا حدود، عشق العطاء..
إليك.. إلى فاروق نجار، أكتب هذه الكلمات في ذكراك الرابعة.
فاروق الحبيب
أنت تعلم أنني في كل صباح أعود إليك، وفي كل مساء أعود إليك.. وفي كا قرار أعود إليك.. في كل الصعاب أعود إليك..
ها قد عدت إليك صباح 13 تشرين، يوم قيامة بيروت، يوماً رائعاً.. وصوت فيروز يصدح، جايي النصر.. وجايي الحرية..
فرحت وبكيت، بكيت بكاءً مرّاً..عويل.. لا أدري ما حدث؟؟
وهكذا، في الجرح حسرة، وفي الفرح حسرة، وفي صبري على فراقنا حسرة.. وصوت فيروز يفجرني.. ارجعي يا بيروت.. بترجع الأيام.. نعم سترجع بيروت.. وهل سترجع بيروت لوحدها؟؟ والشهداء والأبرار هل سيرجعون معها؟؟
هي القيامة.. قيامة بيروت.. إنها القيامة.. سيقوم الجميع.. وها أنت رجعت.. أمامي عدتَ بقامتك الجديدة، وها أنت راجع بوجهك الباسم، يا وجه بيروت الغالي، بشعرك المكلَّل بالجواهر والغار والنور.. واقتربت، ودنوت منِّي.. وها صباحنا معاً كالعادة يبتدئ..
ركوة القهوة المُرَّة تُسابق لهفتنا لسماع أخبار ليل بيروت المقصوف، وعاد بي فنجان القهوة معك إلى سنين بعيدة.. بعيدة..
شاب بهي الطلعة، فاتن النظرات، يدخل غرفة صالون منزلنا في طرابلس مع والدته وإخوته، هو لقاء تقليدي يتكرَّر في البيوت المحافظة في مدينتي الشمالية..
واختلطت الأمور عليَّ لوهلة، شبيه ممثلي هوليود يأتي لطرابلس ليخطبني على الطريقة الشرقية!!
جاء إلينا واثق الخطى يمشي ملكاً..
حديثه.. السحر، لم يكن متلكلِّفاً بالمرَّة، بل انسيابياً في كل ما يقول ويفكِّر، عفوية رقيقة جاذبة تستوقف من يتحدث إليه..
ليته قد جاء هو يطلبني لا والدته على الطريقة المحافظة التي ألفتها بيوتنا.. إذ لو كان قد فعل لقلت له إنني موافقة على طول. لكننا، هو وأنا، أسيرا تراث وتقاليد لا مصلحة لنا في أن نتجاوزها بالكلام، وإن كان قد تجاوزها.. قلبانا الخافقان بأرقِّ المشاعر وأكرمها.
وكأنك أحسست بما يجول في رأسه هامساً لي: أنا لا أحب هذه الطريقة المحرجة للتعرُّف بالفتاة فأنا ثائر.. وأنت ثائرة.. ولا قيد يمكن أن يحكمنا.
واتفقنا على رفضنا التام لهذه الطريقة القديمة البالية..
واتفقنا أيضاً بعد ساعة من التعارف، أنها أفضل الطرق للإرتباط!!
وهكذا كان.. وعقدت خطوبتنا بعد أسبوع..
وعشنا العمر معاً متوافقين. كان الحبيب الأول، وكان الزوج الصديق الذي أفتقده في كل لحظة..
يا رفيق الدرب، يا فاروق، أفتقدك في كل مكان سهرنا فيه معاً، أفتقدك في كل بيت من بيوت الأصحاب..
يفتقدك السهر والسمر والنغم والإيقاع..
تفتقدك الأرض..
ولكن وردة الحب التي تعودت أن أضعها كل يومين في مزهرية قرب صورتك تحمل إليَّ شيئاً من العزاء.. إنه غرام المحبين المخلصين في حبِّهم أبد الدهر. أَوَتذكر البيغوم أم حبيبة وهي تزور أسوان بين وقت وآخر لتضع وردة حمراء على ضريح زوجها الآغاخان إسماعيل، أم تذكر أيضاً ذلك الفيلم السينمائي الذي شاهدنا فيه سيدة محتجبة تذهب كل يومين إلى ضريح رودولف فالينتينو وتضع عنده وردةً حمراء؟؟
وأتاني صوت الشاعر يقول:
وفواصـل الأيـام غيـر مضـرةٍ إنْ لـمْ يكـن في القلب فواصـل
فاروق الحبيب
لك جنَّة الله.. ولك أيضاً على الأرض أهل وأحباب وأصحاب وفلذات كبد تعيش دائماً في عمق قلوبهم. مع حبي
—
(*) نشرت في مجلة “الأفكار” عام 1991