مجلة الأفكار

صفحة غير شكل!

في ندوة الجمعة داخل منزل الأديب سعيد طه ضمَّ أهل الأدب والشعر والفن. سألني معدّ برنامج “سهرة غير شكل” وسام شاهين أن أكون ضيفة في سهرته المقبلة.
استهوتني الفكرة وخاصة أنَّ المحاورين هم: الوزير عبدالله الأمين والأديبة إميلي نصرالله والشاعر محمد علي شمس الدين والأديبة ديزي الأمير والفنان المجلِّي رفيق علي أحمد والرسام حليم جرداق والدكتور نبيل حيدر والممثل منير كسرواني.
تشاورت مع أولادي والأصدقاء فكانوا من المشجِّعين لي.
وتهيَّبت الموقف. فالكاميرا لها رهبتها مع أنني عشت سابقتين في التلفزيون مع المخرج سيمون أسمر من خلال برنامج إعلاني للبنان سنة 1977 حيث توزَّع في جميع الدول العربية على أساس أنَّ لبنان استعاد عافيته وانتهت حربه الأهلية لتشجيع السيَّاح للعودة من جديد.
والبرنامج الثاني كان “بسمة الغد” وكان يجمع السياسي والأديب والفنان. وكنت أصغر سناً طبعاً وأقلّ معرفة واطّلاعاً في برنامج “بسمة الغد”، أحسست أنني بين مجموعة لها خبرتها في التلفزيون والإعلام والصحافة فكنت صورة لطيفة أكثر من محاورة مشاركة فصمت ولم أتكلم كثيراً (عملاً بالمثل الفرنسي “كوني جميلة واصمتي”). ولم أتقبَّل نفسي كصورة فقط فتوقفت.
ووقعت من جديد في فخ التلفزيون. معد البرنامج النشيط وسام شاهين طلب منِّي أن أطرح عدداً من الأسئلة. ولم أستدرك هل أشارك في النقاش أم فقط أقول كلمتي وأمشي؟ كان عندي الكثير لأحاور السهرانين الغير شكل، ولكنني صمت من جديد.
وظلَّ النقاش يدور في خاطري. والسؤال الذي كان لمعالي الوزير عبد الله الأمين:
• لو تسلَّم أهل الفن والموسيقى والشعر مقاليد السلطة، كيف تتصور خريطة الأرض والعالم.
وجواب الوزير كان: لن تكون أفضل.
وعن سؤالي الثاني: “ماذا تقول لك الموسيقى؟”
أجاب الوزير: هذا السؤال تسألينه لفنان. الفنان تحاكيه الموسيقى، نحن السياسيين لا نحاكي الموسيقى ولا الموسيقى تحاكينا. أعتقد أنَّ السياسي يكون دوره مش مكتمل حتى يحب الموسيقى. هناك حاجز بين الموسيقى والسياسي. عندما يحكي السياسي مع الموسيقى، يكون هناك شيء غير طبيعي، أو أنَّ هناك شذوذاً أو نوعاً من الشذوذ.
ردَّ الشاعر محمد علي شمس الدين، رفع عن كاهلي عبء الجواب بقوله:
ـ في مسرحية لشكسبير يقول الملك للحاشية: احذروا القائد بروتوس إنَّه لا يحب الموسيقى. وبروتوس أثبت أنه دموي وغادر.
ومع أنَّ سؤالي فيه الكثير من الخيال كما قال الوزير إلاَّ أنَّ خيالي سرح في أمور شعرائنا وموسيقيينا وفنانينا وقلت: لوكان
• الشاعر نزار قباني وزيراً للتربية والأدب والكتاب والقراءة.
• لو كانت الأديبة إميلي نصرالله وزيرة للثقافة والإصلاح الاجتماعي.
• لو كان الموسيقي عاصي رحباني وزيراً للأرياف والضيعة (ملاحظة: الفنان حي دائماً).
• لو كان الفنان التشكيلي قدورة وزيراً للبيئة والتراث والحضارة.
• لو كانت فيروز سفيرتنا للخارجية والنجوم.
• لو كان الموسيقي وليد عقل وزيراً للمهجرين والأمان والصفاء.
• لو كان بيبي عبد وزيراً للسياحة والضيف والمدى الأزرق (البحر).
• لو كان ملحم بركات وزيراً للكهرباء والإشعاع والشموخ.
• لو كان الشاعر سعيد عقل وزيراً للزراعة والسهل والأرز.
• لو كان أدونيس وزيراً للنقل والسفر والترحال.
• لو كان زياد رحباني وزيراً للإعلام والحقيقة.
• تصوَّرت جبران خليل جبران وزيراً للعدل والمحبة والإنسان.
• تصوَّرت منصور رحباني وزيراً للبلديات ومختار المخاتير.
• وتصوَّروا معي الياس رحباني وولديه غسان وغدي وزراء الداخلية وإشارات السير الممنوعة والحفر.
• وطبعاً لم أتصوَّر وزيراً للصحة والحنان العام سوى الصحافي مروان حمادة ، ولم أتصوَّر وزيراً للمال والوجدان والتخصص العالي سوى الإنسان الإنسان رفيق الحريري.
في زمن سمرقند قال نظام الملك لعمر الخيام الشاعر والعالم الفلكي عندما كان في حضرته:

ـ ها أنذا تحيط بي الحكمة من كل صوب. ألا يُقال أنَّ الملك الذي يعاشر الشعراء والفنانين هو خير الملوك؟؟
أجاب عمر الخيام:
ـ ويُقال أيضاً أنَّ الفنان الذي يعاشر الملوك والأمراء هو أسوأ الفنانين.


نشرت في مجلة “الأفكار” عام 1993

زر الذهاب إلى الأعلى