منوعات

نحن الأمهات نعلن..

“ينبغي القيام بعملٍ ما للاعتراف بأننا قد فكَّرنا فيه”
(نابليون بونابرت)

إلى كل المشكِّكين، إلى كل لبناني عاش وصمد أو جُرح أو “قُتل” على أرض لبنان طوال سبع عشرة سنة من الحرب.
نسمع كثيراً أنَّ مصير بلدنا العزيز معلَّق على وجود شخص مسؤول واحد في الحكم.
نسمع دائماً أنَّ ليرتنا اللبنانية التي نشتري بها خبز أولادنا متعلقة بوجود هذا الشخص المسؤول في الحكم.
ونسمع أيضاً أنَّ بدونه “يفرط البلد”.

وكان رد هذا المسؤول على عبارة “يفرط البلد بلاه” قائلاً: ” هذا أمر مش طبيعي، بل هذه حالة مرضية غير عادية، وهناك مبالغة شوي، بكرا عندما تترسخ الثقة بالبلد أكثر، أعتقد أنَّ وجودي وعدم وجودي يصبحان متوازيين. واليوم البلد أصبح بصحة ممتازة”.
هنيئاً لهذا المسؤول بالمشكِّكين الذين جعلوه وحده صخرة خلاص ودعامة وحيدة لوجود لبنان وكيانه.
هنيئاً لهذا المسؤول الوحيد لتحمله وجود لبناننا على خريطة العالم.
ليهنأ هذا المسؤول بمعارضيه لأنهم قد أعطوه إحساساً رائعاً بالتفوق والقدر والعظمة لا يوازيه أي شعور آخر.
تصوَّر أيها القارئ العزيز أنَّك تحمل هذا الإحساس الرائع ولو للحظة واحدة في العمر، وهذه اللحظة تعني لك أنَّك أنت الوطن وأنت الأرض وأنت الكيان، وأنت سبب بقاء هذا الوطن.

كيف يستطيع هذا الساحر المسؤول تحمُّل كل هموم الوطن؟ ولماذا عليه وحده تحمُّل جوع شعب بكامله؟ لماذا عليه وحده تحمُّل قيامة لبنان؟
أنا أعلم أنَّه في كل العصور والأزمنة البعيدة والقريبة يوجد رجل مصير، أو رجل فكر، أو رجل ثورة، أو رجل تصحيح، فهل يُعقل أن يعمل مثل هذا الرجل في وطني بمفرده وكأنَّ هذا الوطن خلا من الأوفياء لمساندة ذلك الساحر المسؤول، وكأنَّ زمن رجالات الدولة قد انتهى…
وكما تعلمون وأعلم أنه في الزمن القريب أعطى شعبنا صوته لنوابه لخدمته، ولتخفيف أعباء معيشته وجوعه وتعبه.
إنَّ الشعب اللبناني أعطى صوته وكلمته في الحكم ويعطيهم كل شهر أجورهم، وينفق على عائلاتهم وبيوتهم وسياراتهم ومؤتمراتهم وبعض أخطائهم أو كلِّها، وكما تعلمون وأعلم أنَّ الشعب اللبناني أعد أيضاً وظائف وفرص عمل جيدة لكل نوابه ورؤسائه الذين أخذوا على عاتقهم قيادة مسيرة الإنهاض. أين سواعد نوابنا لتتبنَّى الإعمار؟ أين سواعد الثلاثة ملايين لبناني المقيمين على أرض الوطن.
وكما نعلم فإنَّ الشعب يكدح الآن بل يرزح تحت حمله من الجوع والفقر والعجز، ولا يستجار ولا يستشار ولا يطالب إلاَّ هذا المسؤول وكأنَّه المسؤول الوحيد في لبنان.

عفواً لن أستطيع أن أتكلَّم باسم ثلاثة ملايين لبناني، ولكني، وبكل فخر أسمح لنفسي كمواطنة وأم لبنانية عاشت وعانت من الحرب الكثير بأن أتكلَّم باسم نساء المستقبل وأمهاته وشاباته، وحاملات الشهادات الجامعية.
نحن الأمهات الصامتات اللواتي تحمَّلنَ سبع عشرة سنة لحماية جيل المستقبل من الانهيار النفسي والخلقي، نحن الأمهات المهرولات طوال سبع عشرة سنة على سلالم الملاجئ مع أطفالنا هرباً من الدمار والذعر والخوف، نحن الأمهات المتحملات ظلم القذائف العشوائية وانقطاع الماء والكهرباء والخبز والحليب.

نحن نعتبر أنفسنا مسؤولات، والوطن يفرط بدون أولادنا كما أنه يفرط بدونه هو…
الوطن معلَّق على وجود أولادنا أيضاً، تحملنا السنوات الصعبة الماضية وسنتحمَّل سنوات البناء الأصعب.
وها نحن الآن نتحمَّل أعباء معيشة قاسية ومصاريف جامعات وتعليم واستشفاء لا قدرة لنا عليها.
نحن الأمهات مع أجيالنا الصاعدة نعلن، إذا كان مصير بلدنا معلَّقاً بمسؤول واحد فقط كما يزعمون، فنحن هنا الحاكم ونحن الحكَّام، نحن البنَّاؤون ونحن الصامدون على بناء وطن أفضل لأولادنا وأحفادنا نعلنها عن حق لنا اكتسبناه غلاباً بالتعب والصبر والدموع.
إلى كل أم لبنانية حملت جنيناً للمستقبل، إلى كل أم لبنانية تعبت في حماية فلذة كبدها من الموت والانحراف والسقوط.

إلى كل أم لبنانية صبرت على الظلم والقهر وأحزان الموت.
أخاطبكن باسم معاناة طالت، وحصدت نصف العمر الغالي،
أستحلفكن بالإيمان بالله والوطن ومستقبل أولادنا وأحفادنا من بعدنا في وطنهم الجميل، علينا القيام بعمل ما للاعتراف بأننا قد فكَّرنا فيه. هلاَّ فكَّرنا أنَّ حرباً طويلة جرت على أرضنا وقتل فيها مئتا ألف لبناني وهاجر وتهجَّر ألوف إلى الأقاصي البعيدة، ولم “يفرط البلد”.
هلاَّ فكَّرنا أننا بالأمس القريب كنا على أدراج بعلبك وأدراج مسرح البيكاديللي نردد أغاني الحب والوطن مع فيروز ووديع، عمِّرها بسواعد، عمِّرها بإيدين، عمِّرها بمحبَّة واسقيها بريف العين…
ومع نصري، الإيد البتعمِّر الله يحميها، ويعطيها قوة ويبارك فيها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى