ليس عندهم شريط لفيروز؟!
اعتراني الخجل، ذلك اليوم، في المطعم على شاطئ المعاملتين.
كنت مستضيفة أصدقاءً عرباً مقيمين في لندن جاؤوا لزيارة لبنان.
واخترت لدعوتهم مطعماً هادئاً على شاطئ المعاملتين، مطلاً على خليج جونية، يعجُّ بروَّاده من محبِّي الأسماك.
يومها انهالت علينا نِعَم الخير من مطر شديد كم انتظرناه كي نتبارك بهطوله. وكان البحر، بين صخب الموج وانهمار المطر شديداً عليه، رائع المشهد بين مخاضٍ وتبديل رائع في ألوانه التي تهدل عبر تراتبية الأزرق اللاَّمتناهي.
أحد الضيوف علَّق قائلاً. “هذا الجمال الساحر، بين البحر والمطر، لا ينقصه كي يكتمل إلاَّ صوت فيروز. بدنا “شتي يا دنيي…”.
وجاء رد الغارسون حازماً حاسماً مختصراً: “ليس عندنا شريط فيروز”.
ليس عندهم؟؟؟
يا خجلي من ضيوفي، ويا عيب الشوم!
ليس عندهم فيروز؟ معقول؟ وكيف نبرِّر ذلك؟
مطعم في لبنان ليس فيه شريط لفيروز؟
أين إذاً نسمع هذا الصوت، إن لم يكن في ينبوعه، في مهده؟
الروح تنفصل عن الجسد، لكن لا يمكن فصل صوت فيروز عن بحر لبنان ورحم سماء لبنان.
ليس عندهم شريط لفيروز، وعندهم أشرطة كثيرة لسواها؟ ومَنْ قال أننا نطلب أن نسمع أغنية لـ”مطربة” ؟
حين نطلب أن نسمع فيروز، نكون نطلب أن نسمع لبنان. تماماً كما حين نمشي على أرض لبنان، نحتاج أن نسمع وقع وجودنا على ترابه ينساب إلى وجداننا عبر صوت فيروز.
هنا، في لبنان، لنا وطن يُرى ويُسمع، وطن جميل يناجي أبناءه بصوت فيروز.، فهلاَّ أصغينا، من صوتها، إلى قصيدة حب تنضح بالوطن، قصيدة حب يملؤها صوتها فرحاً وشوقاً ورنَّات حنين؟
ليس عندهم شريط لفيروز؟؟؟
وهل أصبح مستحيلاً علينا أن نسمع صوت وطننا؟
كيف وزارة السياحة تغفل عن ثروة سياحية لا تحتاج منها أي دعم أو ترويج أو إعلان، لأنها ثروة وطنية من حنجرة السماء، ممتزجة بسموٍّ لا يُضاهى وتراث لا ينضب؟
هلاَّ اعتبرت وزارة السياحة أنَّ صوت فيروز ثروة وطنية وقومية؟ وهلاَّ أعلنته أحد معالم لبنان السياحية؟
وزارة السياحة القيِّمة على كل الأماكن السياحية في لبنان، والساهرة على حُسن الضيافة والحفاظ على الطبيعة الخلاَّبة والهواء العليل، لماذا لا تفرض في واحاتنا السياحية وجود أشرطة لفيروز يجعلها صوتها الصدَّاح أكثر اقتبالاً لـ”حُسن الضيافة”.
إنَّ الصوت الذي بات سفيراً لنا إلى العالم، أقلّ ما علينا، في الداخل، أن نجعله عنواناً بهياً للسياحة الحضارية في لبنان.
—
نُشرت في ” نهار الشباب” بتاريخ 13 نيسان 1999