الرجـل المناسب
كنت دائماً أحلم أن يأتي يوم في لبنان أستطيع فيه أن أنتخب مرشحاً ليس من طائفتي، ولا من مدينتي، ولا من ديني، بل المرشح المناسب.
في الانتخابات الماضية تمنَّيت أن أنتخب نسيب لحود أو مروان حمادة أو غسان تويني (لو رضي ترشيح نفسه). بل كان عليَّ في الانتخابات الماضية أن لا أنتخب الدكتور سليم الحص لأنَّ بيروت كانت مقسَّمة دوائر والرئيس الحص ليس في دائرتي الانتخابية، وللأسف!
حتى كان يوم السبت 21 تموز عبر إذاعة “صوت لبنان”، من “صالون السبت” للسيدة وردة الزامل، وكان ضيفها غسان سلامة وزير الثقافة.
قلت: وجدته. كما صاح أرخميدس. إنه ليس وزيراً للثقافة فحسب بل وزير الناس بكل بساطة، لكل الناس في لبنان، إنه المرشَّح المناسب بل الرجل المناسب.
لا أعرف طائفة غسان سلامة ولا حتى بلدته أو مدينته، وتقصَّدت أن أكتب مقالتي هذه بدون أن أسأل أحداً.
ولا أريد أن أسأل أحداً، وعادتنا نحن اللبنانيين أن نسأل عن الطائفة أو المنطقة قبل أن نبدأ الكلام.
غسان سلامة يحاور ويتكلم لأنَّه مسلم، ولأنَّه مسيحي، وكأنَّه فلاَّح أو صديق، كان جاداً في لبنانيته، واضحاً في عروبته، قال إنه متفائل بالتمثيل الديمقراطي للطوائف، لأنَّ هذه الطوائف موجودة في لبنان عمر الزمان. “وهكذا تركيبة البلد”. على أن لا يكون هذا التمثيل الطائفي قسرياً بحيث يوضع الرجل غير المناسب لأنه من طائفة معينة. قال: “التمثيل الطائفي مقبول، ولكن الأهم أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب أو المرأة المناسبة في المكان المناسب، وأعجبت جداً بذكره عفوياً وطبيعياً للمرأة وحق المرأة بالمشاركة من دون سؤال.
وعندما سألته السيدة وردة الزامل عن سنة 2004 أي عن الانتخابات المقبلة، انتفض قائلاً: “ما في عندنا إلاَّ روزنامة الإنتخابات؟ إسأليني عن موسم السياحة في هذا الصيف، إسأليني عن أرضنا المحتلة، إسأليني عن العدو الذي لم يزل قابعاً في مزارع شبعا، إسأليني عن المدارس وأقساطها، إسأليني عن الجامعات”.
وعندما سألته وردة الزامل عن الوضع الاقتصادي المتدهور أجاب:
” الوضع الاقتصادي على تحسُّن ولو ضئيلاً ولو بطيئاً، لقد تقدَّمنا ثلاثة في المئة بالنسبة إلى الاستثمارات ورخص البناء والفنادق ولا نأمل ولا ننتظر مساعدات خارجية “خلص”. الأوضاع الإقليمية ضاغطة على كل بلدان الطوق. وكل بلدان الطوق أوضاعها مثلنا، حتى إسرائيل نفسها هي في حال لا تُحسد عليه”.
هذا الوزير اللبناني الآتي من خارج الفضاء اللبناني المتقوقع، كأنه وهو في باريس كان يعاني ويرى الأشياء بوضوح أستاذ العلاقات الدولية. وسألته مضيفته في صالون السبت عن الحرية فقال: مثل الشتلة في صالون بيوتنا، نسقيها، نرعاها، ماءً وعناية وكلام وحديث لتنمو وتكبر وتحلو وتعلو.
ألم أقل لكم أنه وزير للناس، ووزير للمستهلك اللبناني؟
حين وصل غسان سلامة إلى موضع المسؤولية إذا به يسأل عن “الدكنجي” وصياد السمك والعامل البسيط المستقل، ورب العائلة الكادح.
إنه وزير لنا، وليس للثقافة فقط وللفرنكوفونية التي نستقبلها في بيروت قريباًإلى الآن لا أعرف من أي منطقة هو ولا من أي طائفة هو. غداً سأعرف، فأنا لبنانية بالطبع..
ــــــــــــــــــ
(*) نشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 26/7/2001