كيف يصح تجريح الراحلين؟
هل يجوز انتقاد أعمال النحَّات يوسف بصبوص في اليوم التالي لرحيله؟
معرف النقد حواراً ومناقشة وتوعية بين الناقد والفنان لهدف راقٍ ونبيل وحضاري. فلماذا لم يحصل هذا الأمر ويوسف بصبوص حي؟ وهل من المعقول و”الأخلاقي” تصويب سهام النقد يوم ارتحاله عن أسرة “البصابصة”، والدموع لم تجف بعد في عيون أرملته المفجوعة وبناته وابنيه وتحديداً ابنه النحَّات الموهوب نبيل، كما في عيني شقيقه الأكبر ألفرد الذي خسر شقيقه ميشال عام 1982 وها هو اليوم يخسر يوسف؟
قرأت كلمة السيدة لور غريب “تأملات الحياة في الحجر” (“النهار”، الإثنين 10/9/2001) فتساءلت إذا كانت السيدة غريب حقاً متابعة دقيقة لمسيرة يوسف بصبوص الفنية التي لم تره من خلالها إلاَّ ظلاً لشقيقه ميشال، تضاءل بعد غياب الأخير حتى كان يوسف بدون شخصية مميزة مستقلة! فهل تعرف السيدة غريب (ونظنها تعرف) مشاركات يوسف مع شقيقيه ميشال وألفرد في بيروت وباريس، في طوكيو وكوريا الجنوبية، في سويسرا ولندن، وفي أسوان والإسكندرية؟
هل تعرف السيدة غريب (عدا الأعمال التي رأتها في راشانا) أنَّ ليوسف أعمالاً في الولايات المتحدة وفي المملكة العربية السعودية وأندونيسيا وألمانيا؟ وهل تعرف أنَّ يوسف نال جائزة الأرز الذهبية عام 1992 على عمله في متحف سرسق؟
وهل تعرف السيدة غريِّب أنَّ يوسف بصبوص كان الأكثر صمتاً بين شقيقيه، وأنه كان يعمل في تواضع وانحناء وتضامن كامل معهما، مع أنَّ المعارض كانت تظهر باسم “البصابصة” معاً؟ إنَّ هذا التضامن كان يدفعه إلى التفاني الكامل والذوبان في شقيقيه، لا لأنه في ظلِّهما، كما طلعت علينا السيدة غريِّب بنظريتها، بل لأجل الحفاظ على هالة “البصابصة” التي كانت تعني له الكثير كما لجميع اللبنانيين المحبِّين والأوفياء.
بلى، بهذا الصمت ظلَّ يوسف بصبوص، قبل صخوره، ينحت نفسه ورئتيه حتى الموت.
ولعلَّه في غيابه اليوم ترك لنا، إلى منحوتاته، ابناً له، طموحاً وموهوباً، يكمل مسيرة والده الكثيرة الصمت والكثيرة التعبير معاً، النحَّات نبيل يوسف بصبوص.
—
نُشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 8/9/ 2001