لو فضائية عربية في أميركا
زرتُ أميركا مراراً ثم انقطعت عشر سنين عن زيارتها وزيارة إخوتي وأهلي الموزَّعين فيها بين كاليفورنيا وباقي الولايات. وتسنَّت لي زيارتها أول الصيف الماضي، فكنت أنتقل بجهاز التحكُّم من محطة تلفزيونية إلى أخرى، مترصدة خبراً، خبراً واحداً، عن لبنان أو العالم العربي، الضائقة في العراق، أو الانتفاضة في فلسطين… عبثاً: كانت نشرات الأخبار تهتم بجميع البلدان إلاَّ بلادي.
وتبادر إلى ذهني سؤال: لماذا لم تفكِّر دولة عربية، أو مجموعة دول عربية، أو ربما جامعة الدول العربية، في إنشاء قناة تلفزيونية بالإنكليزية في الولايات المتحدة، لنقل الصورة العربية الحقيقية إلى مشاهدين مصدر معلوماتهم الوحيد الـ”سي أن أن” وما تبثُّه من تشويه منهجي لصورة العرب.
ومما شاهدته مثلاً، إعلان من شركة طيران “أجنحة النسور” جاء فيه: “يمكنك تقديم مساعدة مالية بقيمة 300 دولار لشخص واحد يرغب في السفر إلى إسرائيل، أو أن تساعد زوجين بمبلغ 700 دولار للسياحة والإقامة في إسرائيل”. ولم أسمع إعلاناً لمن يرغب في المساهمة بعشرين دولاراً ثمن دواء لطفل مريض في العراق.
لم أسمع سوى أخبار عنف يتفاقم يوماً بعد يوم في الولايات المتحدة. منها مثلاً: والدة اسمها أندريا يتس قتلت أطفالها الخمسة في مغطس الحمام، وإذ حاول البكر ( 7 سنوات) الهرب منها لحقت به من غرفة إلى أخرى حتى جاءت به إلى المغطس فأغرقته ومات، وهي اليوم تنتظر محاكمتها التي قد تستغرق سنوات. ومنها طبيب قتل زوجته وتجري محاكمته علناً على الشاشة أمام أولاده. ومنها امرأة أغرقت سيارتها بولديها تخلُّصاً منهما لأنَّ صديقها لا يقبل بها مع ولديها. ومنها أن الفتاة شاندرا اختفت قبل شهرين وضاع كل أثر لها تبيَّن أنها عشيقة أحد أعضاء الكونغرس الأميركي وحوله تحوم الشكوك في قضية اختفائها.هذه صورة سريعة عن العنف الذي يحصل في الولايات المتحدة.
فلماذا لا تكون لنا محطة تلفزيونية عربية تبث بالإنكليزية ناقلة إلى الأميركيين والعالم أحداث شعوبنا العربية ومعاناتهم لأميركيين يجهلون ما نتحمَّله من عذابات بسبب هيمنة الدول الكبرى
وغطرستها؟ وعندما يفهم الشعب الأميركي أن ليس في مجتمعنا العربي أُم تقتل أولادها الواحد بعد الآخر ولا تستفيق أمومتها. لماذا لا تكون عندنا قناة تلفزيونية فضائية عربية بالإنكليزية تنقل إلى العالم كيف يفكِّر مثقفونا وماذا ينتج مبدعونا؟ لماذا لا تكون لنا محطة تلفزيونية عربية في أميركا ترسم صورة العربي المثقف الواعي الخلاَّق في كل المجلات فتنتفي عنَّا صفة الإرهاب والتخلُّف؟
إنه الحل الوحيد كي نصرخ في وجه الأميركيين أننا متمدنون متحضرون مبدعون، ولسنا قتلة ولا إرهابيين كما أجمعت جميع القنوات الأميركية لتلقم شعبها أن سقوط البرجين النيويوركيين سببه الإرهاب العربي، ولا نستطيع الرد لأننا لا نملك فضائية تفضح بلغتهم الإرهاب الحقيقي وتثبت للأميركيين أننا لسنا شعباً إرهابياً.
—
نشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 5/10/2001