على مين
أشد ما أثارنا في جلسات مجلس النواب أنَّ أكثر من نائب معارض يُعيد ويكرِّر أنَّه غير متفائل.
كان أحرى باللبنانيين أن يقولوا لكم أنَّهم غير متفائلين بكم، وبوجودكم في مجلس النواب.
تتمازحون، وتلقون النكات، وكأنَّ علينا أن نُسر بكم، ونقهقه بممازحاتكم الباذخة.
هل سمع نائب من النواب نكتة يطلقها الناس عليهم؟ ونكات الشعب دمها خفيف وليست مثل نكت حكَّامه.
ونعود لعدم التفاؤل الذي يكرِّره على مسامعنا حضرات النواب. هم لا يدرون كم يعاني هذا الشعب للاحتفاظ بتفاؤله ووجوده.فمعاناة الناس مع التفاؤل مريرة وطريقها شاق وطويل تبدأ:
أولاً: عند فاتورة الكهرباء في عدم ثقة بصحة المبلغ المرقوم وعدم الثقة بأنَّ العدَّاد سجَّل هذه المصاريف.
ثانياً: معاناة حتى مع فاتورة الخليوي وهناك شك بصحتها!
ثالثاً: معاناة المواطن عند قيادة سيارته في الطرق بلا إشارات ولا إضاءة، فضلاً عن الحفر المميتة.
رابعاً: معاناة في الطبابة ودفع أقساط المدارس والجامعات وهذا حديثه يطول.
لن أقول خامساً عن همِّه ورعبه من مشاكل الشرق الأوسط، ولن أقول سادساً اتهامات أميركا لنا بأنَّنا إرهابيون. فالحديث أسود!
تعلَّموا الآن التفاؤل من كورنيش المزرعة الذي تغيَّرت أرصفته ومعالمه أكثر من ثلاث مرَّات لتكون حكماً ضد مصلحة حركة السير فيه. هناك الآن حركة من جمعية تجار كورنيش المزرعة بالاتفاق مع أحد المصارف لإنشاء محطة كهرباء خاصة بالشارع وخزانات ماء، ومحطة ري وتغيير تربة لزرع ما يزيد على مئة وأربعين شجرة نخيل وتأمين ممر عبور للمشاة، حتى لا يقع ضحايا كل يوم في حوادث السير. هذا هو الشعب اللبناني المتفائل. تعلَّموا من زوق مكايل التفاؤل فسكَّانها يجمِّلونها كل صباح ومساء، وثمة الآن مشروع لمدرج مسرحي كبير.
الـ T.V.A ، أي القيمة المضافة، عنوانها: ادفعها تدفعك، نعم سندفعها ونحن مندفعون ومتفائلون لتسديد ديون بلدنا، بعد قيامه من خراب الحرب الطويلة. سندفعها قبل أن تدفعونا بتفاؤلكم إلى البحر.
على مين هذه المناظرات التلفزيونية وهذه “الجرصة” في المجلس والمعارضة الشديدة لتصوِّتوا بعدها بأكثرية 83 صوتاً نعم؟
لقد حفظنا الدرس جيداً، ونحن شعب واعٍ لكل الأمور وندري حيث لا تدرون، أنَّ حتى النائب الأكثر معارضة ومتاجرة بمعاناتنا لو أصبح وزيراً لأضحى أكبر موال للحكومة على الإطلاق. تغيير الحكومة لن يفيدنا بوجودكم. فنحن نعرفكم جيداً أما أنتم فلا تعرفون شيئاً عن هذا الشعب الذي تمثِّلون… عليه.
ويبقى لبنان المتفائل وتبقون أنتم القيمة المضافة.
—
نشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 6 شباط 2002