اغتيـال حضـارة
بعد نهب المتاحف العراقية، نُظِّم مؤخراً في باريس مؤتمر برعاية الأونيسكو أدَّ فيه حوالى ثلاثين خبيراً بالآثار العالمية، أنَّ عمليات النهب لمتحف بغداد كان مخططاً لها، ونفذَّتها عصابات عالمية منظَّمة حصلت على تسهيلات في عمليات نهب الحضارة.
كما أكَّد الخبراء أنَّ مجموعة من ثمانين ألف قطعة أثرية سرقت من المتحف، يرافقها أعمال تخريب ثقافي متعمد بدوافع دينية وسياسية.
السؤال هنا: هل القوات الأميركية تجهل قيمة هذه القطع الأثرية الموجودة في المتحف، ولهذا لم تتدخَّل لمنع نهب أقدم حضارات الأرض؟
الجواب: نعم، يجهل الجندي الأميركي قيمة هذه القطع الذي يعود عمرها لأكثر من ستة آلاف سنة. إنَّ الفرد الأميركي جاهل لحضارات الإنسانية القديمة.
سؤال آخر: هل الإدارة الأميركية تجهل قيمة هذه الكنوز أو تعرف فقط ثمن النفط ولا تعرف أنَّ هذه الآثار لا تقدَّر بثمن؟
جواب: وإلاَّ لماذا استقال رئيس اللجنة الاستشارية الرئاسية للشؤون الثقافية في الولايات المتحدة مارتن ساليفان استنكاراً لنهب متحف بغداد كما استقال عضوان آخران من اللجنة هما غاري فيكان، وريشارد لانيير، وهذه اللجنة الاستشارية تتولَّى تقديم النصح للرئيس بوش في مجال الثقافة، ومن المعروف أنَّ هناك خبراء في الأنتربول لشؤون الفنون والتحف الأثرية العالمية. إذا كان الشعب الأميركي لا يفهم في الحضارات الإنسانية القديمة فإنَّ الشعب الإنكليزي يعرف ويفهم في حضارات بلاد ما بين النهرين من آشوريين وآموريين، وكلدان وسومريين وعرب، بدليل أنَّ المتحف الإنكليزي في لندن يحوي على حضارة الفراعنة من مصر وبأعداد هائلة حملتها معها الإمبراطورية الإنكليزية أثناء استعمارها لبلاد النيل.
أتصوَّر لو كنت عراقية، وبعد حصار استمرَّ اثنتي عشرة سنة ماذا يمكن أن أسرق مثلاً؟ أسرق أدوية لي ولعائلتي، أسرق طعاماً، أسرق (كومبيوتر)، أسرق تلفزيوناً ملوَّناً، أسرق أدوات كهربائية جديدة، أسرق ثياباً جديدة، ولو كان معي رجل يسرق بعد هذا الحصار الطويل سيسرق سيارة، دراجة نارية، مكتباً جديداً، طاولات فخمة، تلفونات عادية وخليوية، ودشاً لاقطاً للقنوات الفضائية، فالعراق الذي أحب لم ولن يجري لسرقة قطع أثرية موجودة على أرضه منذ القدم، وممزوجة بتربيته وروحه وأخلاقه، ولا حاجة له بقطعة حجرية أصلاً يملكها مزروعة في أرضه، وهي ملك له بالأصل ومن قديم الزمان.
وهذا يعرفه العراقي، لهذا كان هناك حارس وحيد على باب متحف بغداد، حارس واحد فقط يحمي ويحافظ على تاريخ وطن يحوي مائة وسبعين ألف قطعة أثرية لا تقدَّر بثمن.
وأخيراً أُحرقت المخطوطات القديمة، هل لليهود تاريخ مخزٍ مع نبوخذ نصَّر، القائد البابلي، في أورشليم، ويريدون محوه من تاريخهم القديم غير المشرِّف؟؟.
—
نشرت في مجلة “الشراع” بتاريخ 19 أيار 2003