قصتي مع كهرباء لبنان
عندما انتُخب الرئيس الياس الهراوي وانتقل إلى القصر المؤقت في الرملة البيضاء كان المبنى الذي أسكنه على خط سير كهرباء الرئاسة، فكنت محظية القصر، أنا وجيراني، بهذه الكهرباء الدائمة الرعاية.
تدريجاً بدأ الجابي يأتيني بفواتير مرتفعة السعر وغير منطقية، مثلاً 500 ألف ليرة عن شهرين، قلت لنفسي هو التبريد. ثم ارتفعت الفاتورة إلى 800 ألف ليرة، قلت هو الشوفاج. ثم استقرَّت على مليون ومئتي ألف ليرة مدى ستة أشهر.
دفعت واعترضت. وقلت لنفسي: عندما كان ابني يتخصَّص في أميركا كانت مصاريفه أرخص من “هاللمبة”.
وذات يوم أطلَّ جابي الكهرباء ليبلغني أنني “معلقة” على كهرباء الدولة! فأفهمته أنَّ ما يقوله افتراء، وأنني أشكو غلاء الكهرباء ومعترضة وأسكن وحدي ولا استهلاك كهرباء كبيراً عندي. ثم إنني أجلس وحدي في غرفة وليس في غرفتين وأشاهد تلفزيوناً واحداً ولا أستطيع أن أتفرَّج على تلفزيونين. لكنَّه أصرَّ على قوله مضيفاً أنَّه سيفك شريط التعليق.
لم أدرك أنه كان عليَّ أن أرشوه وأُنهي موضوع الافتراء. كما لم أدرك أنَّ حُسن النيَّة أصبح هذه الأيام هبلاً صافياً.
بعد يومين عاد الجابي وأبلغني أنَّه فكَّ التعليق وعليَّ دفع 450 ألف ليرة. ومرَّة أخرى دفعت واعترضت وأمضيت شهرين “رايحة جاية” إلى مؤسسة الكهرباء ومنها. عبث! لكن الموظفين اللطفاء قالوا: سوف نقسِّط لك المبلغ. عظيم. أقسِّط وأدفع فواتير باهظة بالملايين.
وفجأة تلقَّيت فاتورة بمبلغ لم أصدِّقه: خمسون ألف ليرة فقط عن ثلاثة أشهر. دفعتها وقلت لنفسي: خلص، يمكن نسوا يسرقوا، أو ربما اكتشفوا أنهم دفَّعوني كثيراً بالغلط.
لكن جابياً اتصل بي لاحقاً من هاتف خليوي خاص، وقال: الفاتورة هذا الشهر مليون ومئة ألف ليرة. سألته من أين جاء هذا المبلغ المذهل؟ وأبلغته أنني لن أدفع. وبعد مدة عاود الاتصال من الخليوي الخاص ليذكِّرني بتقسيط نسيته ونسيت المؤسسة أن تذكِّرني به منذ خمس سنوات. وأضاف: ادفعي أفضل. فدفعت مليوناً ومئة ألف ليرة، لكنني لم أفهم هذه الإدارة في كهرباء لبنان.
بعد مدة أطلَّ بطل جديد من الجباة ـ الذين أعرف أسماءهم جميعاً ـ وكنت في المصيف خارج بيروت، وتحدث بغضب شديد إلى زوجة الناطور قائلاً أنه يريد أن يقطع الكهرباء عن منزلي لأنَّ هناك أقساطاً لم أدفعها. وتبيَّن للجيران أنه يتحدث عن القسط الأخير وقيمته 150 ألف ليرة، فعرضوا أن يدفعوها لكنه رفض. فاتصلوا بي وبادرته بالقول: شكراً للطفك ولأنَّك أجَّلت قطع الكهرباء إلى الغد. فأصابه الخجل وردَّ بعنجهية: غداً، الثامنة صباحاً، وإلاَّ سأقطع الكهرباء!
وما زلت أتساءل: لماذا هذه الفوضى؟ لماذا نسيت كهرباء لبنان بقية الأقساط خمس سنوات؟
أعتقد أنَّ عائلات كثيرة عانت ظلماً من مؤسسة الكهرباء، مثلي وأكثر. فنظِّموها يا شباب.
—
نُشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 12 آب 2003