وتعطَّلت لغة… الإشارات الضوئية في بيروت
ارحموا شرطي السير، ارحموه واقفاً على قدميه تحت أشعة الشمس الحارقة وبين أرتال السيارات المندفعة، والأعداد الهائلة من الدراجات النارية تحوم من الشمال لليمين كالجراد الهستيري.
هل الشرطي المعذَّب في بلدنا هو رجل آلي Robot لا يعطش ولا يصيبه الحر، ولا تمتلئ رئتاه برائحة محركات السيارات إلى درجة أنه إذا أدار وجهه لحظة، أو شرب نقطة ماء من قنينة يغلي ماؤها ثار السائقون عليه صارخين بالحرف اللبناني الواحد: “شو عم يعمل هيدا؟ ” ما إلو عازة!”.
وبما أنه لا يستطيع حتى إيقاف سيارة مخالفة للسير، لأنه في حال أوقفها، قفز سائقها شاتماً، معترضاً، وترافق اعتراضه وشتائمه زحمة سير وزمامير سيارات، يضطر الشرطي إلى أن يقول له: “روح الله معك”، وهكذا دواليك خصوصاً أن كل الإشارات الضوئية في العاصمة لا تعمل ومعطَّلة منذ أكثر من ثلاث سنوات أو أربع لأسباب مجهولة. ألم ندفع ثمنها من جيوبنا أم أنها نوع من أنواع الهدر التراثي المتعارف عليه عندنا؟
سوف أكون دقيقة وواضحة، هناك بعض الإشارات التي تعمل، كالتي عند تقاطع الأشرفية ـ برج الغزال، وتقاطع أبو حيدر مع الكولا، وتقاطع المزرعة ـ بربور ـ أبو شاكر، أما تقاطع أبو شهلا ـ التلفزيون وتقاطع فردان ـ الرملة البيضاء مع كورنيش البحر، فهما خطيران جداً ولا شرطي سير إلى درجة أصبحت معها عيوننا إشارات ضوئية بعضنا لبعض. إذ أحتاج إلى أن أفهم من عيني سائق السيارة المواجهة لي أنه سيدعني أمر ومن ثم أشكره، أو يفهم هو من عيني أني سأدعه يمر فيشكرني، مع مد اليد خارج السيارة للتأكيد وحيال عدم حصول حادث سير كل لحظة يجب الاعتراف بأننا سائقون بارعون من الدرجة الأولى! ويلاحظ أن الإشارات الممتدة من المرفأ، النورماندي، ستاركو، “بيال حتى السان جورج تعمل بانتظام ليلاً ونهاراً كما في أوروبا، لكنها بلا فائدة ولا حاجة إليها، بما أن تقاطعات الطرق هناك لم تنتهِ بعد ولا أزمة سير، بل على العكس، لم أرَ سيارة تلتزم الإشارات أكانت حمراء أم خضراء، والمضحك المبكي أنني إذا توقفت أمام الإشارة الحمراء يزمِّر سائقو بقية السيارات مستهزئين بي و”مشفطين” أمامي كأنني بلهاء وأعاني عمى الألوان”.
أرجوكم أصلحوا الإشارات، أو انقلوا التي تعمل بلا فائدة، لعلَّكم بذلك ترحمون شرطي السير وترحموننا. ودعوا شرطي السير يراقب من تحت المظال المدورة التي استحدثتموها عند كل مستديرة.
ولنعد قليلاً إلى الجراد الهستيري. أي الدراجات النارية التي يلزم وضع خطة لسيرها، إما على اليمين، أو على الشمال أو خلف السيارات. الخطة الضرورية هذه يجب أن تكون عاجلة لأنَّ كل لبناني يتعرَّض كل صباح ومساء لاقتراف جريمة قتل غير متعمَّد لسائق دراجة.
ثم، إشارات صغيرة إلى المطبَّات الفجائية الضخمة التي تكسر ظهر السائق وتجعل كل لبناني بكل بساطة مريض “ديسك”.
والملاحظة الأخيرة عن بعض سيارات قوى الأمن الداخلي، التي تسير أحياناً بحركات بهلوانية تحيِّر الناس على الطرق بدل تهدئة محبِّي السرعة وإعطاء الأمان والطمأنينة للمواطنين!
—
نُشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 6 أيلول 2003