جريدة النهار

“أنت عارف مع مين عم تحكي؟”

هذه العبارة نستعملها نحن اللبنانيون كثيراً حين نتعرَّض لأية مواجهة أو مشكلة. وقد سمعتها من لبناني في دبي يمتلك مطاعم وملاهي في بيروت، إذ قال لمدير مطعم هندي “أنت عارف مع مين عم تحكي؟” فاستغرب هذا الهندي كلامه وذهب في طريقه. أما أنا فلم أستغرب!
كما سمعتها في باريس من سيدة لبنانية تمتلك متجراً للثياب في بيروت، وقالت عندما خاضت في “مشكلة” بمتجر للثياب قائلةً:“Est-ce que vous saves avec qui vous parlez” . وتعني “أنت عارفة مع مين عم تحكي؟”. ولم أستغرب بل ضحكت…

أولاً: هذه أول خصوصية للبنانيين. نحن شعب له خاصيته في التعبير وفي التصرف وفي التعامل مع الناس، نحن شعب خاص. لا أحد يشبهنا. نحن شعب Original .
مثلاً، عندما نسلِّم على أحد أصدقائنا نقوا: Hi هاي، كيفك Bye. Ok – ca-va باي. Sea you هكذا نسلِّم بكل بساطة.
ومثلاً Bonjour مثل صباح الخير كأنَّها كلمة عربية.

سبق مرة أن قلت لعربي غير لبناني: يا لطيف في “أوتوموبيل” على “الرون بوان” Ron – point عامل Accident كبير مع Moto فأجابني: رشا، بعدك عم تحكي مع عربي.
والخصوصية الأخرى للبنانيين تتمثَّل في مرشحيهم للانتخابات البلدية والمخاتير.
فهذا مرشح (ونحن عارفين مع مين عم نحكي) عمل Pose . رتَّب شبوبيته أو هندس شيخوخته وألصق صورته مع كامل الليستة على حيطان الوطن. حيطان بلدنا المجددة بعد الحرب امتلأت كلها بصور رجال. “ليش؟” حيطان البلد لهم. وفي النتيجة شوَّهوا المدينة بصورهم، فهل جدران البلاد على حسابهم و”ببلاش”؟
فهل تنظيفها ببلاش أيضاً؟ ثم إن هذه أول خدمة ضد البلدية، خاصة أننا نعاني مشكلة مكبات، و”سوكلين” أسعارها غالية، فلماذا لم يلتزموا ويضعوا ورهم على لوحات إعلامية كبيرة يستأجرونها ويدفعون للبلدية لقاءها ويؤدّوا لها خدمة حقيقية؟
ولماذا لم يظهروا على التلفزيون ليعرضوا مشاريعهم المستقبلية ويطلعونا على شهاداتهم وكفاءاتهم لخدمة البلدية والمخترة؟

وهل نحن شعب ننتخب على الصورة ملك جمال أو بشاعة؟ وهل نحن شعب أمِّي أو جاهل لا يعرف أن ينتخب ممثِّليه إلاَّ بالصور على حيطان المدن والقرى.
وللأمانة حافظت بلدة عمشيت التراثية على نظافة جدرانها.

نحن شعب واعٍ زيادة عن اللزوم. وأكثر من اللزوم، والأخيرة ضدنا. ولا أعرف كيف ينهضون بالبلاد وقد بدأوا بتوسيع جدرانه وتكبيد البلديات مصاريف إضافية قبل أن يبدأوا بتسلُّم مراكزهم فيها.

وأنا الآن أسحب كلامي لأنني لم أكن “عارفة مع مين عم أحكي”.


نُشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 11 حزيران 2004

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى