منوعات

نهار على الوزاني

بعد أيام على تحرير الجنوب بأيدي الجنوبيين والمقاومين من أبناء وطني لبنان، هرعتُ كالكثيرين من اللبنانيين إلى زيارة الأرض المحرَّرة، وكان فرحي كبيراً، متوَّجاً بفرحة الانتصار الممتزجة بفخر التحرير وفخر الكرامة.

هذا الإحساس يرافقني خمس سنوات، حتى عدتُ إلى المذاق النفسي نفسه قبل أيام حين لبَّيتُ، وبعض الأصدقاء دعوة كريمة إلى قضاء نهار كامل في جنوبنا الحبيب، انتهى على ضفَّة نبع الوزاني، النهر الذي قيل لي إنَّه، عكس سواه، يغزر في الصيف.

وكنَّا، قبل بلوغنا الوزاني، مررنا بـ”دير ميماس” القرية الجميلة، وتوقفنا عند تلَّة شامخة نتأمَّل فوقنا قلعة الشقيف المهيبة، كما مررنا على جبال خارقة الجمال بمتعة للنظر لا يفيها وصف.
وطوال تلك الرحلة خامرتني مروحة منوَّعة من الأحاسيس:

1 ـ أن هذه الأرض أرضي، ولو أنني من الشمال. وكنتُ رسمتها في مطالعي حين كنتُ ابنة عشر سنوات “خارطة لبنان” معتزَّة بانتمائي إليها أرضي وشعبي ووطني.

2 ـ أنَّ مساحة لبنان لا تُقاس بالكيلومترات المربَّعة، بل كذلك بهيبة جباله وشموخ تلاله وقممه وهضابه، واتساع سهوله ووهاده، فمساحته العمودية ذات هيبة تفوق المربعات المسطحة، ووطني كبير بعليائه وشموخه.

3 ـ أنَّ أرضي سخية كريمة، وانعكس سخاؤها على أهلها كرم أخلاق وكرم يد وكرم نفس، كما لمسنا من استقبال أهالينا في الجنوب ذاك النهار.

4 ـ أنَّ اعتزازنا كبير بجنوبنا وأهل جنوبنا وأرضه الجميلة التي تمتد في قلوبنا قبل أن تمتد في التراب، والتي نغمرها بانتمائنا قبل أن تغمرنا هي بهيبة جبالها وحفاوة أهلنا الطيبين.

نهار في الجنوب لا يُنسى. ويا حبَّذا لو يقوم اللبنانيون جميعاً: أهلاً وأولادهم وزوَّارهم والضيوف والسيَّاح، بزيارة لبنان الخارطة كي يعرفوا تماماً ما أبدع الله في لبنان، فيغدو لبنان في قلوبهم لا وطناً عادياً بل وطناً هو إحدى هدايا رب العالمين.

زر الذهاب إلى الأعلى