مشهد لا يصدَّق على كورنيش البحر
كنتُ أقوم بمشواري الصباحي قبل شروق الشمس على كورنيش البحر، فالتقيت القاضي عبد الباسط غندور، فأخبرني أنه التقى قبل قليل سيدة عرَّفت عن نفسها بأنها تُدعى نوال خليل طلبت منه أن يرافقها ليشهد مشهداً يهزُّ عاطفة كل أمّ. فرافقها إلى حيث كان موقع السفارة الأميركية سابقاً، وهناك أشارت في دغشة الليل إلى ستة أطفال نائمين في العراء قرب حاوية النفايات، ستة أطفال يغطّون في النوم، متكوِّمين بعضهم على بعض كالصيصان التماساً للدفء من برد الصباح.
أخبرني بذلك وإمارات الذهول والغضب الشديد بادية على محيَّاه، وسألني رأيي في ما يمكن فعله. ثم قال أنَّه ذهب إلى مخفر الشرطة في حبيش لإجراء الاتصالات مع المدعي العام وغيره من المسؤولين. وانصرفت في هذه الأثناء أشتري بعض المأكولات من معجنات وما شابه. ولمَّا عدنا إلى المكان الذي كانوا فيه وقدمت لهم المأكولات، هجموا عليها كالجراد ولكنهم توزَّعوها بالعدل والقسطاس. وراعني أنَّ أحدهم تردَّد في تناول الفطيرة التي قدمناها له، وقال أنَّ يده وسخة ويريد صابونة، إذ أن رفيقه الذي كان ينام بجانبه مريض ويئن كل الليل لأنَّ عنده ربو ويخشى أن يكون أصابته العدوى. فقلت له لا تخف وطمأنته إلى أنَّ الربو لا يعدي. وعندما سمع القاضي عبد الباسط ذلك استأذن وغاب بعض الوقت. ثم عاد حاملاً ألواحاً من الصابون للطفل ورفاقه. وقال أنه طرق باب الدكتور نعمان أزهري رئيس مجلس إدارة بنك لبنان والمهجر في الجوار في بناية شاهقة وجاره فيها الدكتور مروان غندور نائب حاكم مصرف لبنان سابقاً. فعاد ومعه ألواح الصابون من بيت الدكتور أزهري، ومعه أيضاً الدكتور مروان غندور، وكان هذا الأخير حاملاً كاميرا، ما إن رآها الأولاد مصوَّبة عليهم حتى أصابهم الذعر والوجل وهربوا من أمام العدسة! في اليوم التالي ذهبت لأستطلع أمر هؤلاء الأطفال مع معجَّناتي فلم أجد أحداً. فهل سمع حكَّامنا من برجهم العاجي بمثل هذا، وما يُحاك من حكايات عن عصابات المتاجرة بالأطفال وقتلهم لاستئصال أعضائهم وبيعها لجني الربح السريع؟
وهل يتنازلون وينسون خلافاتهم التي لا يكترث لها الشعب البسيط، والتي لم تنتج سوى المزيد من البؤس والتعاسة؟
—
نُشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 31 آذار 2004