تفاح من التشيلي… وتفاحنا يكسد؟
كعادتي كل صباح بدأت بأكل تفاحتي اليومية التي “تبعد عنِّي الطبيب”. ولأنَّ من عادتي أن آكلها بقشرتها الخارجية (لمادة طبيعية بين القشرة واللّب تقوِّي الأسنان) فوجئت بأنَّها ليست لذيذة كالعادة، وفوجئت بملصق صغير على خدِّها متمسِّك بها بقوة، عليه رسم “خنفسة” صغيرة ملوَّنة، لم أستطع نزعه بسهولة. وضعت نظاراتي لأقرأ حروفه الصغيرة جداً فإذا بهذه التفاحة من إنتاج الولايات المتحدة.
جمدت في ذهولي، كيف وصلت هذه التفاحة إلى بيتي؟ فإلى معدتي؟ لم أصدِّق أننا نستورد تفاحاً من آخر الدنيا! نحن في لبنان، ونستورد التفاح؟ وتفاحنا؟ وماذا عن مزارعي تفاح في لبنان لا يقوون على تصديره ولا تصريفه، ويطالبون الدولة بأن تساعدهم ولا من مجيب، فيرمون رزق الأرض على الأرض ويضيع رزق أولادهم على زفت الطرقات؟
قصدت سوبر ماركت جاري ففوجئت مجدداً باكتشافي أصنافاً كثيرة من التفاح في جناح تعلوه لافتة كبيرة عليها بالخط العريض: “تفاح مستورد”، وبحثت فيه فوجدت من التشيلي وبلدان أخرى، ولم أجد في ذلك الجناح (أكرِّر: لم أجد) تفاحاً لبنانياً.
وقفت مذهولة ساهمة: معقول؟؟؟ نحن في لبنان نستورد التفاح؟؟؟ هل يدخل مواطن لبناني السوبر ماركت ليشتري تفاحاً مستورداً ويشيح عن التفاح اللبناني؟
في 9 حزيران 2006 قالت أستاذة أميركية في بيروت لطلابها (في الجامعة الأميركية): “مذاق فاكهتكم وخضرتكم فوق الوصف”.
قبل سنتين في نيويورك كنت أنتقل بالقطار من مانهاتن إلى سيراكيوز حين سألتني جارتي في المقصورة عن بلادي. وحين أجبتها قالت إنَّها لا تعرف أين لبنان على الخريطة لكنَّها تعرف أنَّه مشهور بفاكهته “الألذ مذاقاً في كل العالم”. وكان فرحي بها أنَّها لم تأتِ على ذكر الحرب في بلادي بل على ذكر ميزة منحنا إياها الله في بلدنا الصغير الجميل، ونحن لا نعيرها أي اهتمام.
ترانا اعتدناها؟ أم نسيناها واستوردنا التفاح من آخر الدنيا؟
هل يعلم اللبنانيون أنَّ فاكهتنا “ألذ طعماً ومذاقاً في العالم” (كما قالت “سيدة القطار الأميركية)”؟
وهل يستبدل اللبنانيون بالتفاح المستورد تفاحاً من أرض بشرِّي أو أرض ميروبا؟
تفاح أميركي أم تشيلياني وتفاحنا يكسد؟
يا عيب الشوم.
—
نشرت في جريدة “النهار” بتاريخ 3 تموز 2006