في مناسبة إطلاق منتج “هوا لبنان السياحي”
كان ذلك في حزيران الماضي، على عتبة الصيف هذا العام. ذات صباح، وكان ابني يتَّصل بي من مقر عمله خارج لبنان، مبشِّراً إيّاي بكل فرح أنَّه آتٍ وعائلته ليُمضي بعض الصيف معي في لبنان، ففوجئ بي أسأله راجيةً ألاَّ يأتي. صعقه الجواب فقال: “وهل في الدنيا أمٌّ تسأل ولدها ألاَّ يأتي كي تراه؟”، فأجبته: ” لا يا حبيبي. أفضِّل ألاَّ أراك معي في لبنان، وسط ما يجري عندنا من أحداث خطيرة وانفجارات واغتيالات تحصد مسؤولين وتجرف معها مواطنين أبرياء يسقطون مجاناً ولا من يسأل. أرجوك يا حبيبي، لا تأتِ هذا الصيف إلى لبنان”. وطلب منِّي أن أذهب أنا إليه، فقلت له إنَّ لبنان سيفرغ من أهله لو سافروا جميعهم عند أولادهم، ولن يبقى لبنانيون في لبنان. نحن نواطير الوطن.
وأقفل ابني خط الهاتف وهو يتمتم أنَّ هذا لا يحصل إلاَّ مع الأمِّ اللبنانية، وفي هذه الحالة اللبنانية بالذات.
معه حق، ابني. هذا لا يحصل إلاَّ مع الأمّ اللبنانية، وفي هذه الحالة اللبنانية بالذات.
وأمام إصرار ابني على أن يأتي، بحجّة أنَّ “اللي بيصير عليكم بيصير عليي، لستُ أفضل منكم،، هذا وطني وأنا اشتقت إلى هوائه”، تأثَّرت شديداً فنشرتُ في “النهار” مقالاً نهار 26 حزيران 2007، رويت فيه هذه القصة، وأما خوفي عليه أن يأتي إلى هواء لبنان هنا ويتعرَّض وعائلته للخطر، رُحتُ أفكِّر في طريقة أحمل إليه في كفَّيَّ هواء لبنان.
وتذكَّرت أنَّني، حين كنت ذات يوم في الولايات المتحدة، رأيت علبةً معدنيةً عليها عبارة “شمس فلوريدا الساطعة” (Sunshine of Florida) وليس فيها شيء من أشعة الشمس بل فيها هواء. كما تذكَّرت أنَّني رأيت في فرنسا علبةً معدنيةً عليها عبارة “هواء باريس” (Air de Paris)
وفي لندن (Smog of London). ومن تلك العلب المعدنية، تذكَّرت حكايةً طريفةً كان يرويها ظريف لبنان نجيب حنكش عن مغتربٍ في البرازيل جاء يستقبل صديقاً له آتياً من لبنان، فبادره هذا الصديق بأنَّه شحن على الباخرة نفسها سيارته من لبنان، فصرخ به المغترب: “أرجوك، نفِّس لي دولاباً من سيارتك كي أتنشَّق هواء لبنان”.
وهنا فتقَتْ لي الفكرة: لماذا لا أحمل إلى جميع المغتربين اللبنانيين هواءً من لبنان في علبةٍ معدنيةٍ، على صورة علبة فلوريدا وعلبة باريس وعلبة لندن؟
سألت أصدقاء محامين فتحمَّسوا للفكرة وشجَّعوني عليها. وقصدتُ وزارة الاقتصاد للمعاملات القانونية الرسمية، فاستقبلوا فكرتي بالتشجيع والتسهيل.
ووجدت التشجيع نفسه من وزارة السياحة على احتضان هذا المشروع والسماح لي بتسويقه سياحياً إلى كل العالم.
وهكذا وُلدت فكرة “هوا لبنان”، وها هي بينكم، معكم، في تصرُّفكم، هديةً رمزية من لبنان، A Smart gift تحملوها إلى أحبابكم هناك، في البعيد، فيكون على كلِّ رفٍّ في آخر الدنيا “هوا لبنان”، وفي كلِّ بيتٍ لبنانيٍّ في العالم “هوا لبنان”، وهو ليس “هوا” من المكيِّف هناك بل هو “هوا لبنان” الطبيعي من هنا، ومن زحلة تحديداً، حتى إذا حملها كلُّ مغترب في العالم يشعر بأنَّه يحمل في يده رائحةً نابضةً من “هوا لبنان” في كل بقعة من العالم.
هكذا تحقَّق الحلم. وأرسلتُ إلى ولدي “هوا لبنان” بدون أن يأتي إلى “هوا لبنان” هنا ويتعرَّض للخطر.
فالشكر من القلب إلى كل من شجَّعني وسهَّل لي تحقيق هذا الحلم اللبناني الغالي:
ـ إلى وزارة السياحة، وتحديداً المديرة العامة السيدة ندى السردوك، والصديقة السيدة منى فارس.
ـ إلى وزارة الاقتصاد، وتحديداً السيدتين سلوى رحال فاعور والآنسة مايا أبو ظهر والسيدة مروى خضر ياسين.
ـ إلى رفاق العمر في لجنة “الأوديسيه”: الصديقة ألكسا قيامة برجي التي بكت وأنا أخبرها عن مشروعي، والصديقة منى غزال، والصديق الشاعر هنري زغيب الذي يحضن “الأوديسيه” كما يحضن كل مشروع ثقافي سياحي في لبنان، وخصوصاً قصيدته “وقعت حبّة لولو من دمع السَّما” الذي وضع لحنها الفنان الياس الرحباني.
ـ إلى أهل الصحافة والإعلام الذين هم معنا اليوم.
ـ إلى المحامين جورج خديج وجان كيرلّوس على مساعدتهما وتشجيعي بحماسة الأصدقاء.
ـ إلى ابنة أخي الدكتور حاتم، ديمة المصري جبيلي على وضعها تصميم العلبة المعدنيَّة.
ـ وإليكم جميعاً على حضوركم معنا اليوم لولادة هذا المشروع الغالي.
وبعد أيها الأصدقاء..
إنَّها هديَّتي وهدية كل لبناني من هنا، إلى كل لبناني هناك، في البعيد البعيد، في عالم الانتشار اللبناني.
إنها هدية كل أمٍّ مشتاقةٍ إلى ولدها وخائفةٍ على ولدها.
إنَّها هدية الذكرى التي لا تمحوها الأيام، لأنها تحمل هواء لبنان النقيّ الذي لن يُفسده دخانٌ مهما اسْودَّ الدخان.
فسوف نبقى في لبنان نَبْضاً حياً على صورة لبنان الحي ولبنان الفينيق.
عشتم جميعاً. عاش “هوا لبنان”.
ودائماً دائماً و… إلى الأبد: عاش لبنان.
(*) ألقيت هذه الكلمة بمناسبة إطلاق السيدة رشا نجار منتج “هوا لبنان” السياحي، وذلك بتاريخ 31 تشرين الأول 2007 في القاعة الزجاجية ـ وزارة السياحة.