رشا مصري نجار شعور المرأة بأنوثتها أهم بكثير من شعورها بالمساواة
عاشت وسط عائلة تعدَّد فيها الأشقاء فكان على والدها أن ينقل أفراد العائلة على ثلاث دفعات باعتبار أنَّ السيارة لم تكن تتسع لأكثر من خمسة أشخاص.
عندما بلغت السادسة عشرة من عمرها، وأنهت دراستها الثانوية أبدت للعائلة رغبتها في الالتحاق بكلية التربية في بيروت ـ دار المعلمات ـ لدراسة الرياضة البدنية. فامتنعت والدتها عن مؤازرتها في طلب الانتقال من طرابلس إلى بيروت، فيما شجَّعها والدها ودعم فكرتها.
رشا مصري زوجة الدكتور فاروق نجار، أم لثلاثة أطفال، تعمل اليوم مدرِّسة في مجال الاختصاص الذي أحبَّته وتملك صالوناً للتجميل، فيما تحتفظ بآراء قد تكون موضع تأييد العديد من النساء…
هي من طرابلس، عاشت طفولة سعيدة، مؤلَّفة من تسعة أشقاء وثلاث شقيقات، عُرف والدها بـ”شبوبيته” التي كانت محط أنظار الجوار، كما عُرفت والدتها بين الصديقات بدماثة الخلق والجمال.
رشا مصري. زوجة الدكتور فاروق نجار. ووالدة طارق وكريم ودانيا، تعمل مدرِّسة للرياضة البدنية في ثانوية فخر الدين، وتملك “صالون رافاييل” الأنيق للتجميل.
تقول السيدة رشا بلهجة لا تخلو من الاعتزاز: “بين أشقائي اليوم ثلاثة أطباء معروفين، أحدهم جرَّاح والآخر طبيب نسائي والثالث طبيب بيطري، وهناك طبيبان لا يزالان على الطريق يتابعان دراستهما في ألمانيا، أما بقية الأشقاء فهم من رجال الأعمال في أميركا، أما الشقيقات فإحداهن تعد للدكتوراه في علم النفس في فرنسا، والثانية تتخصَّص في تربية الأطفال بينما اكتفت الثالثة بدور ربَّة بيت سعيد”.
• وهل شعرتِ يوماً بعبء العيش في بيت يتألَّف من خمسة عشر شخصاً؟
ـ بالعكس تماماً، فما أكثر ما تمنَّيت خلال الأحداث، وأنا أعاني وطأتها، أن أستقيل من
كل المسؤوليات الملقاة على عاتقي، وأن أعود رشا الطفلة لأنضمَّ مجدداً إلى عائلتي الكبيرة التي أحببتها بلا حدود.
وتبتسم السيدة رشا وهي تعود بذاكرتها إلى تلك الأيام ثم تضيف:” تصوَّري، أننا كنَّا ننتقل بسيارة والدي على دفعات كلَّما عزمنا على القيام برحلة عائلية، كان والدي يقوم بدور السائق وينقلنا على ثلاث دفعات إلى حيث كنَّا نقصد، فسيارته لم تكن تتسع لأكثر من خمسة أشخاص… أما أشقى الرحلات بالنسبة له فكانت زيارتنا السنوية التي كنَّا نحرص عليها إلى معرض دمشق الدولي”.
• وكيف أُتيح لك دراسة الرياضة البدنية في دار المعلمات في بيروت والأسرة تقيم في طرابلس؟
ـ عندما أنهيت دراستي الثانوية، وكنت يومها لم أتجاوز السادسة عشرة أبديت للعائلة رغبتي في الالتحاق بكلية التربية في بيروت ـ دار المعلمات ـ لدراسة الرياضة البدنية. يومها وقفت العائلة كلها في وجهي، كيف لي أن أنتقل إلى بيروت في هذه السن المبكرة للعيش بعيداً عن الأسرة في بيت للطالبات؟ حتى والدتي التي لم تكن ترفض لي طلباً امتنعت يومها عن مؤازرتي. والدي وحده لم يخيِّب رجائي… وافق. وكان موقفه حاسماً.
• المرأة ـ بصورة عامة ـ يزعجها السؤال عن عمرها. هل يزعجك هذا السؤال؟ ولماذا؟
ـ نعم إنَّه سؤال يزعجني بالفعل. والسبب بكل بساطة أنَّ الرجل في مجتمعنا لا يزال يحكم على المرأة ويتعامل معها على أساس عمرها. فهي تبقى فتاة أحلامه طالما أنها لم تتجاوز سناً معيَّناً. أما محتواها الفكري والاجتماعي فهو آخر ما يحفل به. وكذلك الحال بالنسبة إلى صديقاتها. فهي تظل أمامهن جميلة ورشيقة حتى يكتشفن أنها أكبر منهنَّ سناً.
• هل تعتقدين فعلاً أنَّ الرجل لا يعبأ بمستوى زوجته الفكري ولا بنضجها الاجتماعي؟
ـ نعم. إنني أعتقد بأنَّ الرجل يخاف من المرأة الناضجة، إنَّه يفضِّلها أقل منه نضجاً وخبرة. وهذا النضج مرتبط في رأيه بعامل السن. فالزوجة الصغيرة طفلة في نظره يرضيها القليل ويدهشها.
• كيف ومتى كان لقاؤكِ الأول بزوجك؟
ـ لقائي الأول بزوجي جاء صدفة. كانت شقيقته زميلة لي في “بيت الطالبات” وكانت تدرس الرسم وتتقنه. ويبدو أنَّها قد تحدَّثت صدفة عنِّي بحضوره. فكان أن زارنا في طرابلس وتمَّت الخطوبة.
• كان زواجكما إذن تقليدياً بالرغم من انتمائكما إلى جيل يرفض هذا الأسلوب ولا يعترف به. فإلى أي مدى تعتبرين زواجكما ناجحاً والحالة هذه؟
ـ إنَّني أنعم بزواج ناجح إلى أبعد الحدود. وأعتقد، في ضوء تجربتي، أنَّ الزواج التقليدي ليس محكوماً ـ كما يعتقد البعض ـ بالفشل. ومع ذلك فأنا أفضِّل الزواج المبني على التعارف المسبق، لأنَّه يحمل في طيَّاته عوامل النجاح.
تتوقَّف قليلاً ثم تضيف:
ـ ليس المهم كيف نتزوَّج، وأي أسلوب نعتمد في الزواج… في رأيي أنَّ الزواج الناجح مرهون بإرادة الزوجة على إنجاحه. كيف يصعب على المرأة التي تصنع الرجل أن تتعامل معه؟ كيف يمنها أن تفشل معه وهي التي توجده؟
• أين أنتِ إذن من الدعوة للمساواة بين الرجل والمرأة؟
أنا ضد المساواة بينهما. المرأة عالم قائم بذاته وكذلك الرجل. فكيف نقارن بينهما. المرأة مجموعة من المشاعر والأحاسيس. هي شعلة من الأنوثة والجمال، هي لوحة رائعة متألِّقة. أما الرجل فهو “سبع” مزروع بالشعر. له قوة وجبروت، ويحرص على أن يُعامَل على هذا الأساس. فإذا كانت المرأة تستطيع أن تلعب إلى جانب أمومتها أدواراً متعددة بينها دور الرجل، فهل بمقدوره هو أن يلعب دور المرأة الأم. وهل بإمكانه أن يرتفع إلى مستواها الجمالي والعاطفي، وإلى دورها في العطاء، المرأة في رأيي مخلوق أرقى من الرجل. فلماذا تُراها تدعو إلى المساواة؟
• إنَّ في نظرتك إلى الرجل من الفوقية ما بات يدعوه هو إلى المطالبة بالمساواة؟
ـ لا. ليس هذا ما عنيته. عالم المرأة لا يكتمل إلاَّ بوجود الرجل، فهو سند لها وجناح. تتوقَّف قليلاً ثم تضيف:
ـ إنَّ ما حدث للمرأة في أميركا يجب أن يكون عبرة للنساء اللواتي يطالبن بالمساواة. فالمرأة الأميركية حصلت فعلاً على هذه المساواة ولكنها دفعت أنوثتها ثمناً لهذه المساواة.
• من الواضح أنَّه لا وقت لديكِ للهوايات وسط مشاغلك المتعدِّدة كربَّة منزل وأستاذة رياضة وصاحبة صالون للتجميل؟
ـ هوايتي الوحيدة كانت ولا تزال التمثيل. ويبدو أنَّني ورثت هذه الهواية عن جدَّتي. وأعتقد أنَّ ابنتي دانيا تملك موهبة مماثلة. هذه الهواية رافقتني منذ الطفولة، ومارستها عبر بعض النشاطات المسرحية في المدرسة، وفيما بعد عبر فيلم دعائي كان عنوانه “لبنان 77 مع رشا نجار” من إنتاج وزارة السياحة. وكان عبارة عن مجموعة من اللقطات مع سيدة عائدة إلى لبنان وقد هدأت فيه الأحداث: تهبط من الطائرة، تخترق زحمة المطار الذي دبَّت فيه الحياة، تودِّع زوجها المسافر، تستقبل أولادها على الباخرة، تدخل “كازينو لبنان” في ملابس السهرة، تشاهد الرقصات الفولكلورية ثم تتناول طعام العشاء المؤلَّف من بعض المأكولات اللبنانية المشهورة.
• وماذا عن التلفزيون؟
ـ لقد كان لي تجربة مماثلة في التلفزيون عبر برنامج “بسمة الغد” الذي أخرجه سيمون أسمر وقدَّمه عزالدَّين صبح بالاشتراك معي عام 1977. وكان البرنامج يتألَّف من فقرات كنَّا نستقبل خلالها عدداً من الوجوه السياسية والفكرية والفنية المعروفة. ولكن سرعان ما دبَّ الخلاف بين العاملين في البرنامج فتوقَّف.
• ما هي الأمنيات التي تسعين لتحقيقها. وكيف تنظرين إلى الغد؟
ـ الأمهات في لبنان، وأنا واحدة منهن، تحجَّمت أحلامهن بحيث باتت تقتصر على عودة الهدوء والاستقرار إلى لبنان. أطفالنا يتوقون إلى الأمن لمتابعة برامجهم الدراسية وبناء مستقبلهم.
ومع انتهار الحوار ترتسم داخل الإطار خيوط واضحة المعالم لسيدة جميلة، مرهفة الحس، هادئة الطباع معتدَّة بنفسها دون غرور وتدلي بآرائها دون خوف…
—
مقابلة أجريت لمجلة “ألحان” ضمن فقرة “داخل الإطار”، عام 1979